خطبة الجمعة بعنوان : إذَا أردتَ السلامةَ مِن غيرِكَ، فاطلبهَا في سلامةِ غيرِكَ منكَ ، للدكتور خالد بدير
إذَا أردتَ السلامةَ مِن غيرِكَ، فاطلبهَا في سلامةِ غيرِكَ منكَ

خطبة الجمعة بعنوان : إذَا أردتَ السلامةَ مِن غيرِكَ، فاطلبهَا في سلامةِ غيرِكَ منكَ ، للدكتور خالد بدير، بتاريخ 24 ذو الحجة 1446 هـ ، الموافق 20 يونيو 2025م.
تحميل خطبة الجمعة القادمة 20 يونيو 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : إذَا أردتَ السلامةَ مِن غيرِكَ، فاطلبهَا في سلامةِ غيرِكَ منكَ :
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 20 يونيو 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : إذَا أردتَ السلامةَ مِن غيرِكَ، فاطلبهَا في سلامةِ غيرِكَ منكَ، بصيغة word أضغط هنا.
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 20 يونيو 2025م ، للدكتور خالد بدير بعنوان : إذَا أردتَ السلامةَ مِن غيرِكَ، فاطلبهَا في سلامةِ غيرِكَ منكَ، بصيغة pdf أضغط هنا.
عناصر خطبة الجمعة القادمة 20 يونيو 2025م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : إذَا أردتَ السلامةَ مِن غيرِكَ، فاطلبهَا في سلامةِ غيرِكَ منكَ : كما يلي:
أولًا: احترامُ خصوصياتِ الآخرينَ.
ثانيًا: مظاهرُ وصورُ إيذاءِ الآخرينَ.
ثالثًا: وسائلُ التواصلِ الاجتماعِي بينَ الصلاحِ والفسادِ.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 20 يونيو 2025م ، للدكتور خالد بدير ، بعنوان : إذَا أردتَ السلامةَ مِن غيرِكَ، فاطلبهَا في سلامةِ غيرِكَ منكَ : كما يلي:
إذَا أردتَ السلامةَ مِن غيرِكَ، فاطلبهَا في سلامةِ غيرِكَ منكَ.
24 ذو الحجة 1446هـ – 20 يونيو 2025م
المـــوضــــــــــوع
الحمدُ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ ونتوبُ إليهِ ونستغفرُهُ ونؤمنُ بهِ ونتوكلُ عليهِ ونعوذُ بهِ مِن شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، ونشهدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له وأنَّ سيِّدَنَا مُحمدًا عبدُهُ ورسولُهُ ﷺ. أمَّا بعدُ:
أولًا: احترامُ خصوصياتِ الآخرينَ.
مِن أهمِّ القيمِ الإسلاميةِ النبيلةِ التي يدعونَا إليهَا الدينُ الحنيفُ، قيمةُ احترامِ خصوصياتِ الآخرينَ وعدمِ التدخلِ في شئونِهِم أو حياتِهِم الخاصةِ؛ لأنَّ مَن تدخلَ فيمَا لا يعنيهِ سمعَ ما لا يرضيهِ، وفي ذلِكَ يقولُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «إِنَّ مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ المَرْءِ تَرْكَهُ مَا لَا يَعْنِيهِ»: (الترمذي بسند صحيح)، وهذا الحديثُ أصلٌ عظيمٌ مِن أصولِ الإسلامِ.
يقولُ الإمامُ أبو داود السجستانِي، في كتابِه “السنن”: نظرتُ في الحديثِ المُسندِ، فإذا هو أربعةُ آلافِ حديثٍ، ثُمَّ نظرتُ، فإذا مدارُ الأربعةِ آلافٍ حديثٍ على أربعةِ أحاديث: حديثُ النعمانِ بنِ بشيرٍ: «الحلالُ بيّنٌ والحرامُ بيّنٌ»، وحديثُ عمرَ: «إنّمَا الأعمالُ بالنيّاتِ»، وحديثُ أبِي هريرةَ: «إنَّ اللهَ طيّبٌ لا يقبلُ إلّا طيّبًا، وإنَّ اللهَ أمرَ المؤمنينَ بمَا أمرَ بهِ المرسلينَ»، وحديثُ: «مِن حسنِ إسلامِ المرءِ تركُهُ ما لا يعنيهِ».
فينبغِي على العبدِ أنْ ينشغلَ بنفسِه وأنْ لا يتدخلَ في خصوصياتِ وشئونِ الغيرِ؛ لأنَّ كثـرةَ التدخـلِ في شـؤونِ النـاسِ تُـورثُ العـداوةَ، وكثـرةَ الأسـئلةِ تُـورثُ الضيـقَ والحـرجَ، والسـكوتُ عمَّـا لا يعنينَا يُـورثُ الهيبةَ.
وكان السلفُ رضيَ اللهُ عنهُم حريصينَ على احترامِ خصوصياتِ الآخرينَ، فهذا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ كَانَ إِذَا سَمِعَ أَحَدًا يَتَكَلَّمُ فِي النَّاسِ قَالَ: “إِنَّ مَنِ اشْتَغَلَ بِخُصُوصِيَّاتِ الْخَلْقِ نَسِيَ عُيُوبَ نَفْسِهِ، وَمَنْ سَتَرَ عَلَى النَّاسِ سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ. وكَانَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ يَقُولُ: “مَا سَتَرْتُ عَلَى أَحَدٍ فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَتَرَ اللَّهُ عَلَيَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.” وصدقَ الرسولُ ﷺ حيثُ يقولُ: ” وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”.(متفق عليه). وقـد توعـدَ اللهُ مَن يتتبعُ عوراتِ الغيرِ بـأنْ يفضحـَهُ ويكشـفَ سـرَّهُ هـو ولـو كان في جـوفِ بيتـِهِ، فعَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ، لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنِ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعُ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ». (أحمد وأبـو داود وابـن حبّان بسند صحيح).
ولو اطلعَ رجلٌ على خصوصياتِكَ ففقأتَ عينَهُ ما عليكَ مِن جناحٍ، فعَـنْ أَبِـي هُرَيْـرَةَ، أَنَّ رَسُـولَ الِله ﷺ قَـالَ: «لَـوْ أَنَّ رَجُـلًا اطَّلَـعَ عَلَيْـكَ بِغَيْـرِ إِذْنٍ، فَخَذَفْتَـهُ بِحَصَـاةٍ، فَفَقَـأْتَ عَيْنَـهُ مَـا كَانَ عَلَيْـكَ مِـنْ جُنَاحٍ». (مسـلم).
وعَنِ سَهْل بْن سَعْدٍ، أنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ مِن جُحْرٍ في بَابِ رَسولِ اللهِ ﷺ ، وَمع رَسولِ اللهِ ﷺ مِدْرًى يُرَجِّلُ به رَأْسَهُ، فَقالَ له رَسولُ اللهِ ﷺ: لو أَعْلَمُ أنَّكَ تَنْظُرُ، طَعَنْتُ به في عَيْنِكَ، إنَّما جَعَلَ اللَّهُ الإذْنَ مِن أَجْلِ البَصَرِ». [مسلم].
فَكَمْ مِنْ نَفْسٍ تَأَلَّمَتْ، وَكَمْ مِنْ بَيْتٍ تَفَكَّكَ، وَكَمْ مِنْ زَوَاجٍ تَدَمَّرَ، بِسَبَبِ عَدَمِ فَهْمِ هَذِهِ الْمَبَادِئِ، وَالْخَوْضِ فِي سِرِّ غَيْرِهِ، أَوِ التَّفَتُّشِ فِي مَا يُرِيدُ أَنْ يُخْفِيَهُ. وما أروعَ قولَ الإمامِ الشافعِيِّ رضي اللهُ عنهُ:
إذا رُمتَ أنْ تَحيَا سَليمًا مِن الأذَى …………وَدينُكَ مَوفورٌ وعِرْضُكَ صَيِنُّ
لِسانُكَ لا تَذكُرْ بِهِ عَورَةَ امرئٍ …………..فَكُلُّكَ عَوراتٌ وللنّاسِ ألسُنُ
وعَيناكَ إنْ أبدَتْ إليكَ مَعايِباً …………..فَدَعْهَا وَقُلْ يا عَينُ للنّاسِ أعيُـنُ
وعاشِرْ بِمَعروفٍ وسامِحْ مَن اعتَدى ……….ودَافعْ ولكنْ بالتي هِيَ أحسَنُ
ثانيًا: مظاهرُ وصورُ إيذاءِ الآخرينَ.
هناكَ صورٌ كثيرةٌ لإيذاءِ الآخرينَ، ينبغِي على المسلمِ معرفتهَا للحذرِ منهَا حتى يسلمَ منهُ الناسُ.
منها: الغيبةُ والنميمةُ: وهي مرضٌ اجتماعِيٌّ خطيرٌ ومدمرٌ، قَالَ تعالَى: {وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ}. [الحجرات: 12]، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ ، قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟» قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ» قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: «إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ، فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ».(مسلم). فالغيبةُ تأكلُ حسناتِكَ، فضلًا عن أكلِكَ للحمِ أخيكَ ميتًا. وقد قِيلَ للحسنِ البصرِي: إنَّ فلانًا يغتابُكَ فقالَ: مرحبًا بحسنةٍ لم أعملْهَا ولم أتعبْ فيهَا ولم يدخلْ فيهَا عجبٌ ولا رياءٌ !! وجَاءَ رَجُلٌ إلي الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ يَقُولُ: إِنَّ فُلَانًا يَغْتَابُكَ، فَقَالَ لَهُ الْفُضَيْلُ: “جِئْتَ بِرِسَالَةِ الشَّيْطَانِ؟! لَا نُرِيدُ أَنْ نَسْمَعَ السُّوءَ وَلَا نَنْقُلَهُ.” وجاءَ رجلٌ لعمرَ بنِ عبدِ العزيزِ في يومٍ يقولُ له: يا أميرَ المؤمنينَ إنَّ فلانًا يقولُ عليكَ كذَا !! قالَ لهُ عمرُ: حسنًا سننظرُ في أمرِكَ، فإنْ كنتَ كاذبًا صدقَ فيكَ قولُ المولَى عزَّ وجلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}[الحجرات: 6]، وإنْ كنتَ صادقًا فأنتَ مِمَّن قالَ فيهم: { هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ} (القلم: 11)، وإنْ شئتَ عفونَا عنكَ، فقال الرجلُ العفوَ يا أميرَ المؤمنينَ العفوَ.. وهكذا يجبُ التعاملُ مع ما نُقِلَ إليكَ مِن أخبارٍ !!..
ومنها: التجسسُ على الآخرينَ: قالَ تعالَى: {وَلَا تَجَسَّسُوا}. [الحجرات: 12]. فَالتَّجَسُّسُ سُلُوكٌ مَذْمُومٌ، يُفْسِدُ الْقُلُوبَ، وَيَزْرَعُ الشُّكُوكَ، وَيُشْعِلُ الْفِتَنَ، وَيُزَعْزِعُ أَمْنَ الْمُجْتَمَعِ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ تَسَمَّعَ عَلَى قَوْمٍ وَهُمْ يَكْرَهُونَهُ، أَوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ، صُبَّ فِي أُذُنِهِ الْآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (البخاري). وَالْآنُكُ: هُوَ الرَّصَاصُ الْمُذَابُ.
ورويَ أنَّ عمـرَ رضي اللهُ عنهُ كان يَعُـسُّ بالمدينـةِ مِـنَ اللَّيْـلِ، فَسَـمِعَ صَـوْتَ رَجُـلٍ فِـي بَيْـتٍ يتغنـَّى، فتسـوَّرَ عليـهِ فوجـدَ عِنْـدَهُ امْـرَأَةً، وَعِنْـدَهُ خَمْـرٌ، فَقَـالَ يَـا عَـدُوَّ اللهِ أَظْنَنْـتَ أَنَّ اللهَ يَسْـتُرُكَ، وَأَنْـتَ عَلَـى معصيتِـه، فقـالَ: وأنتَ يـا أميـرَ المؤمنيـنَ فـلا تعجلْ، فـإنْ كنتُ قد عَصَيْـتُ اللهَ وَاحِدَةً، فَقَدْ عَصَيْـتَ اللهَ فِيَّ ثلاثًا، قـالَ اللهُ تعالَى:{وَلا تَجَسَّسُوا}.(الحجـرات: 12)، وَقَـدْ تَجَسَّسْـتَ، وَقَـالَ اللهُ تَعَالَـى: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَن تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا }. (البقرة: 189). وَقَـدْ تَسَـوَّرْتَ عَلَـي، وَقَـدْ قَـالَ اللهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }. (النـور: 27)، وَقَـدْ دَخَلْتَ بَيْتِـي بِغَيْرِ إِذْنٍ وَلَا سـلامٍ، فقالَ عمرُ: هَـلْ عِنْدَكَ مِنْ خَيْـرٍ إِنْ عَفَـوْتُ عَنْـكَ، قـال: نعـمْ واللهِ يـا أميـرَ المؤمنيـنَ لَئِـنْ عَفَـوْتَ عَنِّـي لَا أَعُـودُ إِلَـى مِثْلِهَـا أبـداً، فعفَـا عنـهُ، وخـرجَ وتركَـهُ». (إحياء علـوم الدين).
ومنها: السبُّ واللعنُ والطعنُ: فقد دعانَا النبيُّ ﷺ إلى عفةِ اللسانِ، وطيِّبِ الكلامِ والبعدِ عن السَّبِّ واللعنِ، وفحشِ الكلامِ، ففي سننِ الترمذِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ رضي اللهُ عنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ، وَلَا اللَّعَّانِ، وَلَا الْفَاحِشِ، وَلَا الْبَذِيءِ»، وفي هذا الحديثِ فائدةٌ: أنَّ الطعنَ والجرحً كما يحدثُ بالسيفِ والسنانِ يحدثُ باللسانِ، فالأولُ جرحٌ حسيٌّ، والآخرُ جرحٌ معنويٌّ، ولربَّمَا كان الجرحُ المعنويُّ أشدَّ مرارةً وأكثرَ ألماً مِن الحسيِّ، وصدقَ مَن قالَ:
وَقَدْ يُرجىٰ لِجُرحِ السيفِ برءٌ ……….وَلا برءٌ لِمَا جَرَحَ اللسانُ
جِراحاتُ السِّنانِ لها التِئامٌ ………. وَلا يلتامُ ما جَرَحَ اللسانُ
وَجرحُ السيفِ تدملُهُ فَيَبْرىٰ ………. وَيبقىٰ الدهرُ ما جَرَحَ اللسانُ
فيجبُ على المسلمِ سلامةُ الآخرينَ مِن يدِهِ ولسانِهِ، فعَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ». (متفق عليه). يقول ابنُ رجبٍ: ” يقتضِي حصرُ المسلمِ فيمَن سلمَ المسلمونَ مِن لسانِهِ ويدِهِ، والمرادُ بذلكَ المسلمُ الكاملُ الإسلام، فمَن لم يسلمْ المسلمونَ مِن لسانِهِ ويدِهِ فإنَّهُ ينتفِي عنه كمالُ الإسلامِ الواجب، فإنَّ سلامةَ المسلمينَ مِن لسانِ العبدِ ويدهِ واجبةٌ، فإنَّ أذَى المسلمِ حرامٌ باللسانِ وباليدِ، فأذَى اليدِ: الفعلُ، وأذَى اللسانِ: القولُ.” (فتح الباري لابن رجب). قـال الفُضيـلُ بـنُ عيـاضٍ: «لا يحـلُّ لـكَ أنْ تـؤذِيَ كلبًـا أو خنزيـرًا بغيـرِ حـقٍّ، فكيـفَ بإيـذاءِ المؤمنيـنَ والمؤمنـات.» [تفسـير الزمخشـري.]
إنَّ المسلمَ كمَا يؤجرُ على فعلِ الطاعاتِ وبذلِ المعروفِ، كذلكَ يؤجرُ على كفِّ الأذَى، قال أبو ذرِ: ”قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ الْعَمَلِ؟ قَالَ: تَكُفُّ شَرَّك عَنْ النَّاسِ فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْك عَلَى نَفْسِك” (متفق عليه). وليكنْ القدوةُ لكَ في حبيبِكَ ﷺ في عفوِهِ وصفحِهِ وتسامحِهِ مِن أجلِ إقامةِ مجتمعِهِ على متانةِ الروابطِ الاجتماعيةِ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ:” اللَّهُمَّ إِنِّي أَتَّخِذُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ؛ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ؛ فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ آذَيْتُهُ؛ شَتَمْتُهُ؛ لَعَنْتُهُ؛ جَلَدْتُهُ؛ فَاجْعَلْهَا لَهُ صَلَاةً وَزَكَاةً وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ” ( مسلم).
ثالثًا: وسائلُ التواصلِ الاجتماعِي بينَ الصلاحِ والفسادِ.
مِن صورِ الفسادِ المعاصرةِ، استغلالُ وسائلِ التواصلِ الاجتماعِي في أذَى الآخرينَ، وذلكَ بنشرِ الشائعاتِ وترويجِهَا، والتجسسِ علي الناسِ، واختراقِ خصوصياتِهِم، وتتبعِ عوراتِهِم وغيرِ ذلكَ مِمّا يُعَدُّ تهديدًا لأمنِ المجتمعِ واستقرارِهِ، وهذا مِن الإرجافِ المنهِي عنهُ، حيثُ يقولُ تعالَى: { لَّئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا } . ( الأحزاب: 60 ) .
ولقد أنعمَ اللهُ علينَا بنعمٍ كثيرةٍ لا تُعدُّ ولا تُحصَى، ومِن أجملِ وأحدثِ هذه النعمِ ( وسائلُ التواصلِ الاجتماعِي الحديثة)، قالَ تعالَى: { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ } (إبراهيم: 34)، وقال سبحانه: { وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } (النحل: 18).
وهنا وقفةٌ لطيفةٌ، فتجدُ أنَّ اللهَ ختمَ الآيتينِ بخاتمتينِ مختلفتينِ، ففي سورةِ إبراهيمَ خُتمَتْ بقولِهِ تعالى: {إنَّ الإنسانَ لظلومٌ كفارٌ}، وأمّا في سورةِ النحلِ فخُتمَتْ بقولِه تعالَى: {إنَّ اللهَ لغفورٌ رحيمٌ} فمَا تعليلُ ذلكَ؟
ولتلمسِ العلةِ في ذلكَ- واللهُ أعلمُ- أنقلُ ما ذكرَهُ الطاهرُ بنُ عاشورٍ في تفسيرِهِ “التحريرِ والتنويرِ” حيثُ يقولُ: «وقد خُولِفَ بينَ ختامِ هذه الآيةِ (آيةِ النحلِ)، وختامِ آيةِ سورةِ إبراهيمَ، إذ وقعَ هنالكَ {وإنْ تعدُّوا نعمتَ اللهِ لا تحصوهَا إنَّ الإنسانَ لظلومٌ كفارٌ} لأنَّ تلكَ جاءتْ في سياقِ وعيدٍ وتهديدٍ عقبَ قولِهِ تعالَى: { ألم ترَ إلى الذينَ بدّلُوا نعمتَ اللهِ كفرًا} فكان المناسبُ لهَا تسجيلَ ظلمهِم وكفرهِم بنعمةِ اللهِ. وأمَّا هذه الآيةُ فقد جاءتْ خطابًا للفريقينِ، كما كانت النعمُ المعدودةُ عليهِم منتفعًا بها كلاهمَا. ثمَّ كانَ مِن اللطائفِ أنْ قوبلَ الوصفانِ اللذانِ في آيةِ سورةِ إبراهيمَ {لظلومٌ كفارٌ} بوصفينِ هنَا {لغفورٌ رحيمٌ}، إشارةٌ إلى أنَّ تلكَ النعمَ كانتْ سبباً لظلمِ الإنسانِ وكفرِهِ، وهي سببٌ لغفرانِ اللهِ ورحمتِه. والأمرُ في ذلكَ منوطٌ بعملِ الإنسانِ». أ. ه
وأقفُ وقفةً عندَ قولِ الإمامِ ابنِ عاشورٍ: ” والأمرُ في ذلكَ منوطٌ بعملِ الإنسانِ” فأقولُ: وسائلُ التواصلِ الاجتماعِي الحديثةُ والمتنوعةُ نعمةٌ، فإذا استخدمتَهَا في طاعةٍ وحافظتَ عليهَا فقد شكرتَ النعمةَ وأديتَ حقَّهَا، فبذلكَ تنالُ الرحمةَ والمغفرةَ {إنَّ اللهَ لغفورٌ رحيمٌ}!!
أمَّا إذَا استخدمتَهَا في سبِّ الآخرينَ والتشهيرِ بهِم وقذفِهِم، فقد ظلمتَ نفسَكَ وكفرتَ بالنعمةِ ولم تؤدِّ حقَّهَا فبذلكَ دخلتَ في دائرةِ الظلمِ والكفرانِ { إنَّ الإنسانَ لظلومٌ كفارٌ}!! فالأمرُ في ذلكَ منوطٌ بعملِ الإنسانِ!! وقسْ على ذلكَ بقيةَ النعمِ من التكنولوجياتِ الحديثةِ مِن النتِّ والدشِّ والفيس بوك والواتس والمحمولِ والتيك توك وغيرِ ذلكَ.
فينبغِي على العبدِ أنْ يخطَّ بقلمِهِ في جميعِ هذه الوسائلِ ما ينفعُ الناسَ في دنياهُ، وما يسرُّهُ أنْ يراهُ في أخراهُ. وصدقَ الإمامُ عليٌّ بنُ أبِي طالبٍ رضيَ اللهُ عنهُ حيثُ يقولُ:
ومَا مِن كاتبٍ إلّا سيَفنَى ……………….. ويبقِي الدهرُ ما كتبتْ يداهُ
فلا تكتبْ بـكفِّكَ غيرَ شيءٍ ……………. يَسرُّكَ في القيامةِ أنْ تراهُ
وهكذا بالأخلاقِ الحسنةِ واتباعِ أوامرِ القرآنِ والسنةِ، يسلمُ الناسُ مِن لسانِكَ ويدِكَ، ويعيشُ الجميعُ في محبةٍ وإخاءٍ.
اللهّمَّ كما حسَّنْتَ خَلْقَنَا فحَسِّنْ أخلاقَنَا، واحفظْ مصرَنَا وبلادَنَا مِن كلِّ مكروهٍ وسوءٍ ؛؛؛؛؛؛
الدعاء،،،، وأقم الصلاة،،،، كتبه : خادم الدعوة الإسلامية
د / خالد بدير بدوي
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف